رحلات مشاغب بن قحطــان في ربوع الأوطان/سوريا
ســـــوريــا:-
من لا يعرف الشام لا يعرف الفردوس ومن لا يعرف سوريا لا يعرف التاريخ ومن حرم الحياة هم الذين لم تتكحل أعينهم بجمال سوريا وغوطتها فسلام عليك يا بردى وسلام للشام وأهلها وحب لا ينتهي من عاشق هده البعد عن المياه السلسبيل من عين الفيجة ومن عاشق جاء يرتوي من صباحات الشام ونسائمها ليسمع في الصبح الندي تغاريد طيورها ويستنشق بكل جوارحه أريج زهورها وليقف بإجلال أمام عظمة التاريخ بكل شوارعها وأزقتها وحوارها الخالدة وليصغي لحفيف أوراق أشجارها وبساتينها وحدائقها هاأنذا يا شام أتيت احمل حبا عظيما في الصدر وفي الروح لأرضك وسمائك الصافية وتلالك الشامخة بصفوان حبيب . وقلما يرسم بالحب والشوق الكلمات العاجزة والتي لا تستطيع أبدا أي كلمات في الدنيا أن تصف الشام وجمال الشام وعظمة الشام وتاريخها الخالد وأي كلمة هذه تستطيع أن تصف الشام فيا قلي الصغير فلتنحني إجلالا وحبا إنها سوريا فوق الكلمات وفوق الوصف إنها سوريا ذلك الامتداد العربي الذي لا ينتهي منذ أن عرف التاريخ وحتى ينتهي العالم إنها الفردوس وجنة الله على الأرض جمالا ودلالا وثمارا وغلالا وأزهارا تعانق أزهارا فألوذ بالصمت وأنا في حضرة الدهشة مرتحلا هذه سوريا هنا الماضي وهنا الحاضر والمستقبل يرتبط بعضه ببعض ، هذه سوريا الحب والجمال فهل من كلمات صاغتها يد الإبداع الخلاقة تستطيع أن ترسم لوحة الحب وهل من كلمات خالدات استطاعت أن تجسد الجمال والمجد .. هنا تتوقف الكلمات لتسافر الروح وتنطلق بكل عفويتها وطهرها.
هذه سوريا رعشة الوجدان وخفقات القلب المتسارعة لعاشق هذه البلاد فجاء اللقاء يتلو ترانيم العشق في محراب الجمال والسحر الخلاب وليسيح في الأرض يتنعم سائحا تتخطفه تخلب لبه روعة الجهات كلها ، استرح ولتأخذك النشوة حد الثمالة فهذه النسائم العابقة بالعطر والشذى والمحملة بالندى الرطب تبلغك بصمتها الإعجازي البليغ بأنك في أرض الشام.. بأرض سوريا.
درعا:-
إنك تستطيع أن تمنع انسياب المداد من قلمك كي تكتب ولكنك ستكون عاجزا حتما أن تمنع قلبك أن ينبض ابتهاجا للجمال والتاريخ وقد تجاوزت بنا السيارة حدود درعا لتقف بنا السيارة دون سابق إنذار على الأوتوستراد الممتد من درعا إلى دمشق بطول يمتد مائة كيلومتراً لأن دينمو السيارة قد أصابه الارتخاء وسقط حزام المروحة فجلست غير عابئ أطال وقت إصلاح السيارة أم قصر وهذه النسائم تداعب روحي ومشاعري وتتخللني مثل شعاع أخاذ . يضئ كل جوانحي حتى منتهاها فأتذكر بدقة تاريخ الأرض .. أرض درعا فعلى يسار الطريق وعلى غير مبعدة تسكن في هذا الليل البديع بحيرة المزيريب وقوارب الصيد الصغيرة ومئات الأطفال مع ذويهم يصطادون السمك طازجا وكأنهم عرس ملائكي لطيف يرتعون ترقبهم عيون أهلهم بينما الكبار في غاية السعادة وامتعة يجلسون في سكينة تحت ظلال الأشجار وكأنهم يتذكرون مرور الخليفة عمر بن الخطاب الذي مر من هنا مع خادمه قادما من الجزيرة العربية متجها إلى القدس يتسلم مفاتيحها من هنا مر عمر بن الخطاب ومن هنا كانت تعبر القوافل بماريها من الجزيرة إلى فلسطين ومصر العربية ، ومن هنا وفي مساحة 4600كيلو متر مربع تمتد من مشارق دمشق شمالا حتى الأردن جنوبا لتعانق الحدود الأخوية بحب خالص في لقاء خالد يحفه الوئام ومن الجولان غربا حتى جبل العرب شرقا وقد عرفت درعا أو هذه الأرض قديما باسم أرض حوران والتي تجذر فيها التاريخ منذ أقدم العصور ابتداء من العصر البرونزي 2800ق.م وعاش فيها العموريون والكنعانيون والآراميون والإغريق والرومان والبيزنطيون والعرب الغساسنة وأخيرا الحضارة العربية الإسلامية وأصل كلمة درعا باللغة الكنعانية أتارعا والتي ذكرها الفرعون (تحوتمس)في الثلث 1490-1436 ق.م وكتب اسمها بالهيروغليفية أتارعا وهي مدينة قديمة جدا حيث يوجد فيها الكهوف القديمة والمدرج الروماني وبقايا الحمامات الرومانية القديمة والمسجد العمري القديم والذي يتمتع بأهمية بالغة في تاريخ بناء المساجد في العصر الأموي والأيوبي. وطول المدرج أو المسرح 45مترا وعمقه 8 أمتار ويقام عليه سنويا مهرجان بصرى وقد كانت بصرى أول مدن الانباط في القرن الثاني قبل الميلاد وأطلقوا عليها اسم (بوسترا) وقد اهتم بها الرمان فأطلقوا عليها اسم( نياترا جانا بوسترا ) حيث كانت طريقا للقوافل ومحل إقامة الحاكم الإمبراطوري...
الضمين:-
على الطريق المتجه لدمشق من درعا تقع الضمين ولا أدري لماذا أطلقت عليها هذه التسمية سوى أن فيها جذور تاريخية تؤكد بأن فيها معبد روماني وثني يعود تاريخه لعام 191م.
السويداء:-
محافظة السويداء لها طابع مميز جدا حيث تتميز بأنها ذات حجارة حممية بازلتية سوداء وقد عرفت المحافظة جغرافيا بجبل حوران وفي العهد القديم بجبل باشان وفي الأدب العربي بجبل الريان وعرفت حديثا بجبل الدروز ومؤخرا بجبل العرب وتطل جبال السويداء على سهول حوران وجبل الشيخ المكسو بالثلوج وتعتبر السويداء من أقدم مناطق الشرق القديم موطنا للإنسان ما قبل التاريخ وقد توالت عليها عدة موجات بشرية من العرب القدماء كالأموريون والآراميون والأنباط والغساسنة وتوالت بعدها حضارات أخرى كاليونانية والبيزنطية والرومانية وقد تركت كل موجة آثارها في المنطقة كالآثار الصفوية والنبطية وآثار العهود اليونانية والأيوبية والرومانية وقد سميت في العصر النبطي باسم سودا أي السوداء الصغيرة لكون المدينة مبنية بالحجارة البركانية السوداء بينما أطلق عليها الرومان اسم (ديونيزياس) باعتبارها بلد الخبز الشهي ويوجد فيها آثار تربة الصيد (أرتيميس) محاطة بالحوريات ومشهد آخر لمولد فينوس ربة الحب والجمال وعرس (تيتيس) آلهة الأرض.
مدينة الشهباء:-
على بعد 90 كيلومتر من جنوبي دمشق تقع مدينة الشهباء وهي مسقط رأس الإمبراطور العربي السوري فيليب الذي حكم روما بين عام 244-249م لذلك سميت المدينة في العهد الروماني تكريما له باسم (فليبوبوليس) وقد نظمها واعتنى بها عناية كبيرة وأقام فيها القصور والحمامات والمعابد والأقواس وأقام فيها مسرحا كبيرا وسورا يحيط بها من كل الجهات إذ كان يريد أن يجعل منها نموذجا لروما ثانية حيث أصبح إمبراطور لروما منذ عام 250 م ومن أهم المعالم التي خلدت تاريخ هذا الإمبراطور العربي (دارة) وهي بمعنى القصر العظيم الجميل وتحوي اليوم بخلودها البعيد على متحف الفسيفساء الذي يضم لوحة (تالاسا) ربة البحر ولوحة الفصول الأربعة ولوحة (أورفة) عازف القيثار وأسطورة ولادة (فينوس) ربة الحب والجمال .
بلدة قنوات:-
كم هي خالدة ذاكرة الصخور وهي تتحد بصمت وديع فعلى بعد 7 كيلومترات من السويداء كانت بلدة قنوات ذات شهرة مميزة وخاصة في تاريخ الرومان الذين جعلوها منذ العام 60 قبل الميلاد واحدة من أهم المدن العشر (الديكابوليس) وهو ائتلاف كان يجمع عددا من المدن التجارية ، وكان على رأسها دمشق ويوجد فيها السراي الأثرية والتي كانت تتكون من ثلاث معابد يعود بناؤها إلى القرن الثاني للميلاد وفيها معبد إله الشمس والذي شيد في القرن الثاني وكان الرومان يطلقون عليه اسم (هيلو بوليس) الذي كان يفوق على واحد وثلاثين عمودا مازال بعضها قائما وموجودا في الساحة العامة للبلدة وفيها معبد الإله زيوس ومعبد إله المياه وهو يقع بالقرب من السراي.
القنيطرة :-
تقع محافظة القنيطرة إلى الجنوب الغربي من القطر العربي السوري وكلمة القنيطرة تصغير لكلمة القنطرة أو الجسر والتي تعني المرور من وإلى فلسطين والأردن ولبنان وسوريا وتشتهر المحافظة بالمياه المعدنية العلاجية والتي سكنت منذ العصر الحجري وقد وجدت آثار تدل على ذلك قرب( جسر بنات يعقوب تل عكاش) وتؤكد الوثائق الآشورية أن تاريخ الجولان مرتبط بالتاريخ العربي كما تؤكد الوثائق الفرعونية أنه كان جزءا من الدولة العامورية التي تأسست عام 2250ق.م ثم توالت عليها الحضارات الآرامية والآشورية والكلدانية والهلنية وفي عام 106 م أصبحت جزءا من الولاية العربية التي تشكلت في العهد الروماني وفي عام 636 م جرت معركة اليرموك التي أنهت الحكم البيزنطي لتتحول إلى رمز عربي خالد .
( دمشق )
قمر تحيط به النجوم المضيئة
ريف دمشق قد يدهشك وأنت تنظر إلى عناقيد العنب فتحسبها عناقيد من اللؤلؤ النضيد الندي أو تسرقك حمرة ثمار التفاح المدلاة بدلال على أشجارها مثل خدي عاشقة خجلى فاجأها حبيب على غير غرة وهي تستحم على ضفاف بردى في ذات صباح وهواء ريف دمشق ساحر خلاب عجيب نقي عليل قد يسرق من عينيك النوم للطافته فتخال بأنك لن تنام أبدا ولست بحاجة للنوم لأن العاشق في حفرة الجمال والحب لا ينام وقد تدغدغ النسائم روحك فتسافر بعيدا فتخلد إلى نوم عميق وكأنك في حضن دافئ لحبيبة انتظرت لقاءها طويلا .. وهل يوجد وصف لريف دمشق..؟
كم أنا آسف وأنا أحاول رسم كل هذا الجمال للوحة طبيعية في غاية الإبداع أبدعها الخالق العظيم على الأرض فهل يقدر الانسان على وصفها ، وهل توصف الزبداني في الربيع وهل تطاوعك أقلامك وألوانك في بلودان حيث تشعر بقمة المتعة أن تستسلم للجمال هل من يدخل الفردوس لا تسرقه دهشة الرؤيا..؟
إهداء من العاشــــق الصحفــــي:-فيـــصل محمد عـــــوكل
..إلـــى جريــــــــدة الهــــــدف..