جريــــــــدة البـــــــــــلاد بتاريخ 18/12/2002م العدد
(489)
لقاء مع الأديب الساخر فيصل محمد عوكل
• إن التوقف عن الحب إعلان عن موت شاعر.
• بعض زوجات الشعراء يبحثن عن نساء في سلال نفاياتهم
• لم أكن عدوا للمرأة ولكن كانت المرأة عدو المرأة
• الإلهام سيد الكتابة على الإطلاق
• الواقعي كنت أقول الحقيقة لكثرة ما تحاط المرأة من زيف لإسقاطها
• الفرح هو حالة من التوحد والانسلاخ عن الذات
• أدب الرحلات ربط بين تاريخ الشعوب والحضارات إعلان عن وحدة إنسانية مشتركة
أجرت اللقاء الزميلة مها عبد الله بدوي
كم تبدو الحياة جافة عندما يخف نبع الحب ونبع الخيال ونبع الأمل وكم تبدو الحياة ندية عطرة حلوة عندما نستمع له وعندما نقرأ ما خطته يداه في دفتر حياتنا أحس بشيء يشدني إلى ماضي بعيد إلى ذلك المذاق البكر لحرارة المشاعر ودفئها وحرارتها وإلى تلك العفوية والتلقائية المدهشة إلى تلك الهموم الصغيرة الكبيرة التي نعيشها ويعيشها معنا بتفاصيل تفاصيلها ، للفرح والمعاناة ، وإلى ، وإلى ، وإلى .
في مشوار الحياة المترامي الأطراف أنه حديث العقل والقلب معا لأن يسأل والقلب يجيب من هو وماذا يعني بالنسبة لنا فوجدتني وكأنني أراه من خلال قراءتي له كأنه زهرة برية فنجان قهوة ، وردة حمراء كلمات من سفر التاريخ ، باختصار هو مطر نيسان وزخات خفيفة على أرض ليست بورا فهناك مراحل ومحطات لهذا أمسكت بقلمي لأكتب فوجدت نفسي قد مضت بي السنون وبعدت بي الأيام عن هذا النمط الصادق ، عاشها كاتبنا وأديبنا المحرر الصحفي الرحالة الأستاذ فيصل محمد عوكل وأنا أعتقد بأنه من خلال هذه المقدمة والعناوين قد أدركتم سلفا بأن اللقاء سوف يكون مع كاتبكم الذي طالعتم له الكثير من كتاباته بأسمائه المستعارة وهاهو يخرج من الظل لأول مرة مسلطا عليه الضوء بهذا اللقاء الذي كنتم ولا زلتم تتابعون كتاباته عبر صحيفتكم البلاد في ألف يوم حول العالم (الصفحة العاشرة).
وفي صحيفة حوادث الساعة له أسبوعيات صحفي غير مسؤول وصفحة أخرى تقابلها من تقابلها من الأدب الساخر ومشاغب بن قحطان وأشياء أخرى ، أحبتنا دعونا معا نسافر مع الروح الحائرة في تجوالها باحثة عن المعرف في كافة أبعادها المتاحة .
وعلى محبتكم وثقتكم الغالية نبدأ الحوار.
• من أنت ؟
• أنا الباحث عن ذاته التي لم يجدها بعد إلا من خلال ذوات الآخرين وضمن خصوصية الذات الأخرى التي تأتي في ظل الغيب والتي تمثل كينونتي أما حروف اسمي المبعثرة فلك أن تجمعيها بفاء وياء وصاد ولام في مجموعة تمثل هذا الفيصل وأعتقد أن الإنسان له من اسمه نصيب.
• وكم عمرك ؟
• إني لا أدري سوى أرقام أنني أقف في الخريف وأعتقد أنني لا زلت طفلا في بداية الفكر والإحساس وفي صيف الحقيقة الحارق رقميا 54 سنة وأظنني على وجه التحديد ولدت مرتين وكدت أن أموت حينما فارقتني أمي لأنها تمثل الحب والوجود والميلاد ، أما ميلاد وجودي الحالي فعمري ثلاثة شهور أي أني لا زلت طفلا أحتاج إلى صدر من أحب.
• هل وجدت ذاتك؟
• في الحقيقة أنني وجدت الخيوط التي قد تدلني إلى ذاتي وقد أصل وهذا ما أتمناه وقد تنقطع الخيوط أنني لست أدري ولكن ذروة أن أجد هذه الذات هي في هذه الحروف المبعثرة التي أجمعها وأصوغها بكلمات من وهج روحي لأنها تعبر عن أعمق أعماق نفسي وتريني العالم جميلا وأجمل ما أراني حينما أرى ذاتي فرحا في وجوه الذين أحبهم .
• ماذا قدمت لهم ؟
• حتى اللحظة اعتقدت أني حاولت شيئا أقدمه على الأوراق بالصحف التي أجد بأن لديها مساحة من الحرية الحقيقية للعقل والروح والمنطق وإن كنت أذكر بأنني لا زلت أحاول عبر الصحف التي أعمل بها أو أراسلها محليا أو عربيا فقد حاولت أن أقدم من خلال الأدب الساخر امتداد من شيحان (شيحو)إلى كتاب نغموش الضاحك وإلى صحيفة الحياة الأردنية بعيدا عن رئيس التحرير وصوت المرأة وصحيفة الهدف،وصحف أخرى معتمدا على أن أصل إلى الكلمة الحقيقية بوسيلتي الساخرة والناقدة لكي أبين معالم الطريق ولأن الأدب الساخر هو أعقد أنواع الأدب لكون صاحبه أشد احتراقا وألما وعذابا ليقدم كل احتراقاته وعذاباته كي يسعد الآخرين فيرى السعادة والابتسامة على وجوههم ويبقى هو سعيدا باشتعاله .
• ماذا قدمت لنفسك ؟
• لقد ادخرت لنفسي ما أدخره من حب للغير ولم أحاول أن أسأل أحدا أن يقدم لي شيئا وما ادخره لنفسي هو الذي أعتقد بأنني أقدمه .وليس كما يفعل البعض ويعتقدون بأنهم يصنعون شيئا فما تقدمه لنفسك تفنيه ولا يفيدك إلا لحظيا .
• لماذا يغلفك الحزن كما أرى من خلال إجابتك ؟ ما الذي يجعلني أفرح أصلا وأنا أرى أن العالم ينحدر للهاوية نفسيا وروحيا وأخلاقيا وبأننا على أبواب الكارثة في هذا العالم ونحن نجلس أمام الفضائيات نفتح أفواهنا تأخذنا الدهشة ونحن في ضياع حقيقي وقد بلغت الأنانية وحب الذات والتحاسد ذروتها حتى بات الإنسان رقما لا شيء . ما رأيك في الحب .. وهل تعتقد أن هنالك امرأة في هذا العصر أو الوجود تستحقك وتناسبك أفكارك ؟ أظن آن الأبله( شن) قد وجد (طبقة )عبر رواياته أو هذه الأسطورة وأظنني أجد أن الغيب في ظله يخفي هذه المرأة المكنونة والتي تستحق لقب مجنونة بامتياز تستطيع أن تقول نعم أو لا في وجه هذا العصر –عصر الزيف الاجتماعي ولا تحفل بالأصباغ والأقنعة التي تتستر بها النساء لهذا أعتقد أنني أكاد أن أقول بأنني وجدت ذاتي في هذه النبتة البرية التي لم تدنس روحها وأن فيها بعض الغبار من الأزمنة وأظن بأن شتاتها قد أعاد لها البهجة والنضارة والنمو بقوة لتبدأ الامتداد هذه المرأة المجنونة أظنها ولدت أو وجدت وإن لم تصرخ بعد معلنة ذلك للعالم مثل صرخة الميلاد المألوفة والتي تعني موت الماضي وبعث المستقبل ويسعدني أن أشرع وجودي كله لها حالما تقول إني قادمة إليك إن فعلت .
• متى بدأت الكتابة ؟
• لا أذكر بالتحديد سوى أنني كنت أعتبر أن الرغيف لا قيمة له مقابل الكتاب لأن الكتاب كان في نظري أهم من الرغيف وقد عشقت الكتابة وأنا في التاسعة من عمري وبقيت حتى سن الثامنة عشر أخجل أن يرى أحد كتاباتي حتى أطلع عليها مصادفة الشاعر فرحان سلام وأني لا أذكر حينها أنه يخاطب شقيقه قائلا أن هذا الصغير إن أعطيت له الحياة وبقي مستمرا في كتابته فيلسوف تسمعن به ولو كنت في أقصى أرجاء العالم هذه النبوءة كانت هي بداية الطريق .
• ما هي ملاحظتك من خلال مشروع كتاب ألف يوم حول العالم؟
• من الجنون حتما أن تفكر في شيء ناضج يرفد الحياة والمجتمع بخبرات جديدة وفتح نوافذ على العالم ولمعرفة عادات الشعوب لأن هذا رغم أنه تواصل حي وحر بين الأمم وثقافاتها إلا أن مجتمعنا لأنه يؤله المادة يرفض أن يكون هناك من يضحي لأن مجتمعه بل على المجتمع أن يضحي لأجل وهذا الفكر والذي أعتبره منحطا جدا هو أكثر ما كان يقتل روحي من خلال هذه المفاهيم المغلوطة لأن مثل هذا الكتاب هو من أدب الرحلات النادرة في مجتمعنا وقد نكون في هذه المرحلة في أمس الحاجة للتواصل ما بيننا وبين الشعوب الأخرى ومعرفة عاداتها وتقاليدها وآثارها وتاريخها لأن هذه التواريخ امتداد لنا مثلما نحن امتداد لها وأعتقد أن معظم ملاحظاتي تنشر الآن تباعا في صحيفة البلاد .
• ما هو مبدأ الكتابة لديك؟
• التحقق من صدق وإخلاص طويتك قبل أن تقوم بالتحقق مما أنت مقدم عليه من البحث بمصداقية وحيادية ونزاهة ووضوح. هل لك أصدقاء ؟ ليس المهم أن يكون لي صديق ، الأهمية تكمن في كيفية هل أنا قادر على أن أحافظ عليه قبل أن أجده أو أبحث عنه وحينما أجده فإن علي أن أمنحه ضريبة هذه الصداقة إلا وهي الصدق معه ، التفاني بما يجمعنا الإخلاص، والصداقة عندي هي هل أجد من يستطيع أن يتواصل بروحه معي قبل عقله وأشياء أخرى ولي أصدقاء أقل من أصابع يدي اليمنى وشاهد واحد فقط.
• متى تفرح؟
• هناك حالتان: الحالة الأولى هي التوحد الكلي وانسلاخي أثناء توحدي عن هذا العالم ولحظة أخرى لا أستطيع الآن التعبير عنها من خلال هذا اللقاء ولكنني أعتقد أن هناك الكثير من الكتابات المبعثرة قد تشي بملامح هذا الفرح السري.
• هل أحببت ومن هي ؟
• أظن أنني ورثت الحب عن أمي والتي لم تكن امرأة بمقدار ما كانت هي قلبا وأعتقدني لو أنني توقفت عن الحب لحظة واحدة لأدركت بأنني فاقت الحياة ولكنني الآن أقول بأن الحب أنواع ، وهناك امرأة تشبه السمعة تضيء قليلا وتنطفئ بعد لحظات قليلة وكأنها لم تكن وهناك امرأة تشبه الشمس تضيء الوجود كله ولا يمكن أن تنطفئ أبدا والتي تحتمل احتراقها الداخلي بعنف وقوة من أجل أن تمنح رجلها ذلك الدفء ولو كان على حساب ذاتها وأظنن حتى اللحظة قد أكون جازما بأنه قد بزغ الصباح وأقول لو أنك نظرت عميقا ف يعيني لسوف ترينها أنت وليس القراء .
• من أين تستنبط الكتابة عند الأدباء هل هي من المعاناة ، الحب، الموهبة ، الإلهام؟
• أظن بأن الإلهام هو سيد كل الكتابات لأنه يعطينا المحصلة العامة لكل هذه الأنواع علما بأن الحب يمنح صاحب الموهبة وصاحب المعاناة وصاحب الالهام ذروة الإبداع إذن فنحن بحاجة كبشر إلى الحب الحقيقي الغير زائف والغير مغلف بالأنانية والتسلط والاستعباد الذي تمارسه بعض النساء كما علمت من كثير من الشعراء حتى أن أحدهم قال لي أقسم أن امرأتي تبحث في سلة نفاياتي عن النساء في كتاباتي .
• كيف كنت تزاوج بين الواقعي ألد أعداء المرأة في شيحان وبين شيحو الساخر، وبين يوميات مطلقة ، وبين أوراق امرأة ساخطة،هذا التناقض الصارخ في الكتابات كيف كنت تستطيع أن تعايشه وتضعه في سلة واحدة أي صحيفة واحدة لسنين كيف كان هو شعورك حينها ؟
• الواقعي كان جرس إنذار ينبه المرأة قبل حدوث الكارثة لما هو قادم لأن المرأة هي أساس الوجود والمجتمع وكان هجومي هو أهم وسائل الدفاع عنها ضد نفسها ومن خلالي.
وشيحو هذا الساخر كان يمنح من خلال احتراقه الداخلي وحزنه الدفين البسمة على شفاه الجميع ولم يكن هو ذاته يجد من يمنحه لحظتها بسمة مضيئة حقيقية وكنت سعيدا جدا في فرح الآخرين الذي أصنعه وسعيدا بحزني.
يوميات مطلقة كانت توضيحا لوضع المرأة المطلقة ومعاناتها في حياتها الاجتماعية من النساء على وجه التحديد وإن كانت امرأة .
امرأة ساخطة هو تعبير عن صوت امرأة أرادت أن تقول لأصحاب العمل والمجتمع بأن المرأة ليست سلعة يتم الاتجار بها لزيادة الأرباح بل هي كائن خلق مقدسا ليصنع الحياة وليس مدنسا أما حاجة الرغيف والاحتياجات الأخرى لأن الإنسان أهم الكائنات التي خلقها الله تعالى على الأرض فكيف بالمرأة وهي سر الحياة.
• هل هناك كلمة ما ترغب بقولها ؟
• حينما تمرون على رفاتي الساكنة لا تشيروا بأصابعكم نحوي وتقولوا كان شيئا لم ندرك كنهه وهو كان بيننا ولكن أشيروا بأصابعكم نحو ذواتكم وقولوا بأننا كنا أكثر الناس عقوقا ، لطلب المعرفة وقد أضعنا ضالتنا بعد أن كانت بين أيدينا
هكذا قال معظم الذين عرفوا الحكمة أو الأدب ولم يحفل بهم أحد حينما كانوا قناديلا تضيء بينهم .
– ما أن يبدأ صوت الحقيقة بالانبعاث حتى تقرع طبول الزيف عاليا ولكني واثق بأن هناك من يصغي بروحه جيدا وبعمق لترانيم الإخلاص العذبة .
– إن طهارة الروح تساوي كل ثروات الوجود
– إن الذين يعشقون المال مثلهم كمثل كلاب الرعاة تطوف ليل نهار حول المراعي كي تحصل على فتات الرعاة لتمنحهم بعوائها ونباحها بلا توقف . – إن سر المرأة يكمن في جمال روحها وعفويتها وليس في الأصباغ الزائفة التي تخفي بها حقيقة الواقع المرير لآثار أصابع الزمن. – إذا كانت القوة تقاس بالأجسام فإن البغال والفيلة سادة العالم .
– من يدلني على أرضي الطيبة كي أبذر فيها الكلمات لعل الذين يبتغون الحكمة يتهيئون للحصاد .
– قد لا تجد الخير عند من تحبهم ولكنك حتما تجده عند من يحبونك .
– إن القناديل المتوهجة دوما تستنزف زيتها سريعا من أجل أن تمنح الضياء لمن حولها والقناديل المطفأة تعمر طويلا في زوايا العتمة والنسيان. كل الذين يبتغون حقيقة الحياة يسألونني قنديلا من قناديلي المضيئة في زيت الحكمة بينما البخلاء يحطمون قناديلي كي لا تظهر عوراتهم أمام الجموع.
- الأمل هو الفرح الداخلي لحدث مستقبلي قادم . كم هو مؤلم على الشاة المدللة أن تكون الأسرع لمواقد الشواء.
- إذا عوى عليك كلب أخذت كل كلاب الحي بالعواء فكم هو عجيب منطق قانون الكلاب.
- الرجاء أمنية يتمناها القلب بلهفة معلقة من أجل القبول والخوف من المجهول
- الحياء خوف محبب يجعلنا نهرب نحو أعماقنا وكلنا قلق واضطراب من أن يرى الذين هم من حولنا ما لا نحب أن يرونه لحظته فينا .
- من كرم طبائع الإنسان أن يرد الإحسان بالإحسان.
- ما أقرب الطريق للسماء وما أثقله على النفس صعودها .
- من أحب الغرباء فقد استمرأ الشقاء .
- لا ينام الغني البخيل إن عوت الريح خشية أن يكون لصا.
- أيها المعجبون بالحكمة الخالدة إني وجدت قرص الجوع أشد من قرص الهوام وإطلاق الكلمات على عاهنها أشد من وقع السهام ، وإن ظلم الأحبة أفتك من وقع الحسام وإن الصمت في زمن الموتى أبلغ من أي كلام .
- أيتها القريبة مني البعيدة عني كم يشقيني أن لا يجمعنا الزمان والمكان.
– حينما سألت جارتي البخيلة عود ثقاب نظرت نحوي باستعلاء وترفعت بزهو غريب وكأنني سألتها أن تمنحني شمس هذا العالم . إذا سكنت النفس ابتهج القلب وحلقت الروح وتألقت رؤيا العقل للأشياء.