أرض وتــــــاريـــــخ وشعـــــــب طيــــب عريــــــــق
في الطريق إلى صنعاء
حينما حلقت بنا الطائرة اليمنية الميمونة على ارتفاع 33 ألف قدم وكنت أنظر من النافذة لجبال السحاب التي تسبح في الفضاء تحتنا كنت أتخيل حلمي القديم بزيارة منذ مئات الآلاف من السنين وحلق بي طائر الخيال نحو الهدهد السليماني الخائف وهو يبلغ سيدنا سليمان عليه السلام قائلا جئتكم من سبأ بنبأ عظيم فإذا كان النبأ العظيم من سبأ فكيف هي اليمن قبل مأرب وبعد مأرب إنها اليمن السعيد صاحبة تاريخ( سيف بن ذي يزن)و( شبيب التبعي الحميري) والتي قال عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بارك الله في شامها ويمنها .. فهي مدن خالدة وكل قرية في اليمن لها تاريخ بعمق الزمن ولها ألف قصة تروي قصص الأولين من الذين خاضوا غمار الحروب في الفتح الإسلامي وفي اليمن مملكة بلقيس:-أشهر ملكات العالم ، إن اليمن أرض السياحة سياحة الروح والعقل والعاطفة وأنت تغوص بأعماق تاريخ الشعوب ورياضة للفكر وأنت تتذكر تاريخ هذه الأمم وهذه الشعوب ورياضة عاطفية وأنت تعيش على أرض شعبها طيب وأصيل ومعروف عنه النخوة والأصالة العربية منذ العهود القديمة كيف لا يكون الإنسان سعيدا وهو يستقبل بعينيه وقلبه وروحه ..أرض اليمن .
ابتسم أنت في صنعاء:-
حينما نزلت في المساء من الطائرة كنت أنظر لسلسلة الجبال الشامخة التي تحيط بصنعاء ، ولأركب أول سيارة تصادفني لتقلني لأقرب فندق كي أحط رحالي وبعد ذلك أتجول في أسواق صنعاء وأطلع على روعة تاريخ اليمن وهذه البيوت المميزة التي تحمل فنا معماريا عربيا لم تغيره كل ظروف الحياة بل أخذت تطوره الأيدي الماهرة من الفنانين اليمنيين وذوقهم في حفظ تراثهم وكان الجو الرمضاني يخيم على الأسواق التي أغلقت أبوابها لاستقبال موعد الإفطار فأنزلت حقيبتي الوحيدة التي أحملها على ظهري وكأنها وطني الذي أحمل فيه كل ما أحب أنزلتها في غرفة في الفندق عند جولة تعز في صنعاء .
ولأبتسم فرحا فقد شاهدت أرض اليمن وأنا هاهنا في أرض صنعاء العاصمة .
باب اليمن قلب صنعاء النابض:-
في اليوم الثاني لزيارتي وبعد أن أخذت قسطا من الراحة في فندق أظن أن اسمه قصر الجنتين والذي حمل أجمل آيات العمارة العربية من الداخل وكل الراحة للمسافرين .
استيقظت غير مبكر ونهضت لأذهب إلى باب اليمن القديمة أو صنعاء القديمة والتي هي قلب صنعاء النابض بقوة وقد بقيت أسواقها على حالها كتراث قديم يشبه سوق الحميدية في دمشق وبعض أسواق القاهرة القديمة ولكن ما يميز بوابة اليمن أو صنعاء القديمة أن بيوتها لا زالت قائمة وصالحة للسكن والتجارة والصناعة وللسياحة . لأنها تمنحك الدهشة الحقيقية بفن عمارتها وقدمها وجمالها الأخاذ وأصوات الباعة وهم ينادون على بضائعهم بلهجات يمنية متعددة محببة للنفس والأجمل من ذلك أسلوبهم التجاري المحبب فهم بسطاء في بيعهم وشرائهم لا يعرفون التلاعب التجاري أو الكذب التجاري فكلمة واحدة تعني سعرا واحدا غير قابل للتفاوض لأن الجو التجاري يخلو من الطمع بل تجارة شريفة ورائعة لا متاعب فيها .
المسجد القديم في صنعاء
في أثناء وصولي لصنعاء القديمة سمعت عن اهتمام شديد في تطوير وترميم المسجد الكبير أو القديم في اليمن من قبل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والذي أوعز بالاهتمام الشديد في المسجد كحفظ للأماكن الدينية والاهتمام بها ومما يتحدث به الناس هنا عن المسجد القديم بأن الرسول الكريم عليه السلام هو الذي أمر أن يقام هذا المسجد هنا على أرض بستان أهداه إياه أحد الصحابة اليمنيين ولكن الرسول عليه السلام أمر ببناء المسجد لأهل اليمن مكان البستان والذي يعتقد البعض من أهل اليمن بأن هذه البقعة التي كان فيها البستان كان فيها قبر لنبي من الأنبياء الذين لا نعرفهم وهذه الحكاية متداولة ولكن أصلها الله أعلم به.
المتحــــف الـــوطني تحفــــة فنيــــة :-
توجهت بعد زيارتي هذه الأمكنة إلى ساحة التحرير المشهورة في صنعاء لأبحث عن المتحف الوطني لألتقط بعض الصور أو حتى صورة واحدة لبناية صغيرة هي تحفة فنية في البناء اليمني المميز والذي لا يتقنه إلا البناء اليمني الذي لايزال يحمل روح الفن المعماري القديم .
وفيه في الداخل كل ما يدل على تاريخ اليمن وحضارتها منذ الحضارة السبئية فاستمتعت وأنا أقرأ وأطلع على هذه الحضارة العريقة تحافظ على تراثها رغم مرور الزمن أرضا وتراثا وإنسانا وتحاول جاهدة مواكبة التطور الصناعي والتجاري والسياحي بعد أن شاهدت أفواجا من السياح الفرنسيين والأمريكيين والإيطاليين والزوار العرب وقد حضروا ليزوروا أرض اليمن الخالدة .
الفـــــرزة أو المجمــــع :-
في مجمع السيارات أو الفرزة في صنعاء وقفت أنظر لمنظر لفت انتباهي وهو على شكل قبة مفتوحة بيضاء فاقتربت منها لأعرف أن هذا المكان له مكانة هامة عند الناس ، إنه بوابة مقبرة الشهداء الذين دافعوا عن ترابهم وأرضهم فاستحقوا كل تقدير وتكريم واجلال من الأجيال اليمنية وعلى جانب مقبرة الشهداء أقيم مسجد ضخم على أحدث طراز معماري حمل اسم مسجد الشهداء .
في سوق الخضار الشعبي
بعد ذلك توجهت لسوق الخضار الشعبي لأجد أن معظم بسطات البضائع مغطاة بأقمشة دون أن يكون أحدا موجودا بجانبها لأن الوقت ليس مناسبا للبيع في مثل هذا الوقت أو الساعة من رمضان وكانت هذه البضائع في أمن وأمان لا يخطر في بال مخلوق أن يلمسها مطلقا.ولهذا تستحق أن تسمى أرض اليمن الأرض الآمنة ، هي أرض اليمن وبعد جولة قصيرة عدت لشارع التحرير لاركب (الدباب) أو الباص لأن تسميته عندهم بالدباب لأنه يدب على الأرض وقد حدثت معي حادثة طريفة أثناء طريقي في العودة فأثناء مسيري وأنا سارح ببصري نحو البيوت الجميلة والساحات السياحية لم أنتبه لوجود كلاب كبيرة كانت على جانب الطريق وفجأة تنبهت لعواء شديد لكلب ضخم يقف أمامي بتحد كبير ويريد أن يهاجمني لأنني أزعجه دون علمي ودون قصد فلم أتحرك من المفاجأة حتى سمنتها نفسي فعدت ببطيء للوراء وأنا أرجو أن لا يقوم هذا بفعلة نكراء عدوانية علي فتركت الشارع وتوجهت إلى أهم شارع تجاري تقريبا هو شارع (حدة) لأقوم بالحجز وتأكيد حجز سفري إلى القاهرة حتى أشهد العيد في مصر ، إن تاريخ اليمن يحتاج لعشرات الأسفار وليس كتابة صحفية واحدة فقط، إنها تاريخ يعجز ذاكرة التاريخ وعلى الحب نلتقي.