سهـــــرة علــى ضـــــوء الشمـــــوع :-
عدت للفندق مساء بعد أن شعرت بنسمة هواء باردة لكوني لم أكن أرتدي على صدري سوى القميص وحتى يكون الجو رومانسيا حالما وجدت بأن الفندق يعيش حالة تعتيم لانقطاع الكهرباء فجأة مما دفع بموظف الفندق أن يعطيني ثلاث شموع كبيرة ملونة وهو يحذرني من أن أنساها مضاءة قرب السرير والغرفة وليس خوفا علي ، وقبل أن أصل الغرفة فاجأني موظف المطعم المقابل للفندق وهو يحمل لي إبريق الشاي لغرفتي وكنت قد طلبته منه قبل ذهابي ونسيت أمره ، فجلست على برندة غرفتي في الفندق أشربه على ضوء الشموع وأنا أفكر بكتابة مقدمة كتاب ألف يوم حول العالم ، بعد أن طفت في العديد من الدول ، وها أنا أفكر بوضع اللمسات الأولى كمخطوطة كتاب عدى هذه الكتابات التي نشرتها في الصحف سابقا مثل زيارتي للأردن والسياحة فيها كاملة وزيارة الأماكن السياحية في سوريا ومصر واليمن وكنت قد كتبت عن السعودية ولم اكتب عن لبنان بعد ، وإن ما يحفزني على الكتابة هنا روعة الجو ، ونقاء الهواء والطبيعة الخلابة وليس هناك متعة لي تضاهي متعة الكتابة خاصة إذا ما تجسد فيها شعور الإنسان بالأشياء الجميلة من حوله وهو مفعم بالحب والأمل .
العشــــــاء الأول :-
دار حوار غريب ولطيف بيني وبين الموظف في المطعم المقابل للفندق بعد أن سألني بلغة عربية مطحونة ومكسرة إن كنت أرغب بالعشاء وكان هو يحاول جاهدا أن يجيد اللغة العربية حتى أستطيع فهمه وأنا أشحذ ذاكرتي جيدا حتى أفهم ما يقول فغرفت بأن لديهم ( بابا غنوج اللبنانية – المؤتركة أو المتتركة ) وبأن لديهم كباب بنصف مليون ، نسيت أن أخبركم أن البابا غنوج بربع مليون ليرة تركية ونصف الدجاجة بمليون إلا ربع وهنا نسيت أن أخبركم بأن الطعام نظيف جدا وأنيق وقد نشأ بيني وبين موظف المطعم نوع من اللغة العائمة بين العربية المكسرة والتركية المعربة ، وسوف تكون تجربتي العشائية الأولى ، فأنا منذ الصباح لم أذق سوى سندويشة صغيرة من الجبن وقضيت بقية النهار في شرب الشاي والكولا والدخان فأضحت معدتي كالقربة تحوي خليطا غير متجانس وأنا أتململ على السرير في غرفتي أنظر إلى الجبال الشامخة والغابات البعيدة وصوت هدير الشلالات في هذا الفردوس المسمى منتجع الحربية أو كما يلفظها الأتراك (شلالات حربيات )فعلى أطراف الغابات تجد الكثير من الناس رجالا ونساء يرتدون ملابس رياضية ويتمتعون برياضة المشي صباحا ومساء فهي تكاد أن تكون جنة صغيرة أو فردوسا بدأ يكون مأهولا كحقيقة ، ومكانا سياحيا من الدرجة الأولى وأفكر الآن بالاسترخاء للطافة الجو فأنا لم يفارقني بعد البقايا أو فلول المرض بعد وعكتي الصحية في سوريا ، رغم الفرح الطفولي والسعادة التي يشعرني بها المكان وما كدت أحاول النوم حتى أخبروني بالفندق بأن صديقتي على الهاتف وما أن سمعت صوتي حتى انهمر نهر من الحنان والحب منها أخذ يسري في عروقي وقد وجدت منها تشجيعا على الاستمرار في فكرة الكتاب لأنه مشروع ثقافي كبير وكنز سياحي سوف يكون له أهميته خاصة إذا ما قمت كتاباتي في الصحف المصرية فعرفت بأنها ترغب أن أسافر إلى مصر فضحكت وقلت لها أنت تعرفين بأني مثل الأطفال أسمع الكلام وخاصة منك أنت فأخبرتني بأنها سوف تتصل بي في اليوم التالي للاطمئنان على صحتي.
مكالمــــــات بخمســـــة مليــــون :
الناس هنا تتعامل بالملايين كما نتعامل بالملاميم ولأني مليونير مؤقت حسب ما أملته علي الظروف فإنني أعتبر هذا اليوم يوم المفاجآت فقمت بشراء كروت اتصال هاتفية وطلبت رقم صديق لي في الأردن كان قد أوصاني قبل سفري من الشام أن أقنع حماته بالعدول عن أفكارها (الحمواتية) والتقليل من (تكاليف التلبيسة)وهي تكاليف الخطوبة وما يرافقها فاتصلت برقم صديقي لأبلغه بأن حماته موافقة على ما يريد والمفاجأة الأولى والثانية والثالثة تباعا أن جهاز الهاتف الشوارعي أعطاني إشارة إتصال وتوقف فجأة وبلع الكرت ولم أتصل وخسرت ثمن البطاقة ، فاشتريت واحدة أخرى وذهبت لتلفون آخر فرن جرس في الأردن فأخبرت المتكلم بأنني أريد صديقي الذي يعمل عندهم وأخبرته بإسمه فلم يتكلم ووضع موسيقى هادئة ظننت بأنه وضعها ريثما يخبر صديقي فأطمأنه على وضع حماته وموافقتها على شروطه رغم أنها نارية الطبع وبقيت أنتظر على الهاتف أسمع الموسيقى وأكرر كلمة (هالو) حتى بلع التلفون الكرت الثاني علما أن كل دقيقة بدولارين وقد منحني هذا اللعين ستة دقائق موسيقية بإثني عشر دولارا فغضبت من هذا التصرف العجيب وذهبت مرة ثالثة فرن الجرس أيضا في الأردن فسمعت صوت الرجل يقول بهدوء تفضل فأخبرته باسم صديقي الذي يعمل عندهم وأنا أتصل من تركيا به ورجوته أن يخبره لكي أحدثه فضحك الرجل قائلا يا أخي لا أعرف أحدا بهذا الاسم وأنت تتصل على بيت وليس شركة ، العنوان غلط فلعنت كل الحموات من أجل حماة صديقي.