الأزرق تاريخ وحضارة
وجنة في خاصرة الوطن
الكاتب / فيصل محمد عوكل
• وطن الخلود
• رحلة عبر التاريخ
• صخور تعارك الزمان
• جنة في الصحراء
(( الأزرق تاريخ وحضارة ..وجنة في خاصرة الوطن ))
الأردن .. هذا الوطن الرائع .. الصغير بمساحته .. الكبير بقدره وعطائه ومكانته ليس في الوطن العربي فحسب بل وفي العالم بأكمله ..فأينما أتجه زائر ، يدرك مدى روعته ومزاياه ، ويلازمه الإحساس بنشوة النظرة الأولى لأي مكان يراه ، مهما تكررت الزيارات إليه ..
فالأردن يتمتع بطبيعة آية في الروعة ، حباه الله بها ، فقد كان منذ القدم محط أنظار الحضارات التي قامت في تلك العصور ، وبرهان ذلك كثرة الأماكن التي تدل على قيام الحضارات العريقة اليونانية والعربية القديمة ، وكذلك في العهد الإسلامي ، ومن الأماكن السياحية الأثرية التي يشار إليها بالبنان في الأردن .. منطقة الأزرق .
الأزرق منطقة سياحية جميلة وتقع على بعد 85كيلو متر إلى الشمال الشرقي من محافظة الزرقاء ، والطريق المؤدي أليها صحراوي يمتاز بما يحويه من الحجارة البازلتية على جانبي الطريق ، وهناك العديد من الشركات الاستثمارية والتنموية التي تخدم إقتصاد الأردن .. مثل شركة لصناعة الأعلاف ومصنع تكرير الملح وغيرها ، هذا ما استطعنا مشاهدته أثناء توجهنا إلى الأزرق ..
وتقسم منطقة الأزرق إلى قسمين رئيسيين ..
1. الأزرق الشمالي .
2. الأزرق الجنوبي .
وسكان الأزرق يعيشون حياتهم ببساطة وعفوية ، بعيدون عن التكلف في إستقبال زائريهم وهذه البساطة تنم عن طيبة وكرم وحسن ضيافة متأصلة فيهم .
ويعمل معظم السكان في الزراعة ويعتنون بتربية المواشي التي بدورها تشكل مصدر رزق لهم ، ويلاحظ الزائر بأن العمل مقدس لديهم فالمرأة تعمل إلى جانب الرجل في سبيل تحقيق حياة كريمة ، فنراها تعمل في الزراعة وفي رعاية الماشية وفي أدارة بيتها وتربية الأولاد ..
ونظرا" لوجود الأماكن السياحية والتي تضم الآثار المختلفة في الأزرق ، فأنها تبقى محط أنظار السياح العرب والأجانب ، فنجدها تستقطب الزائرين الذين يأتون من جميع أنحاء العالم ، ليشاهدوا تلك الآثار الرائعة ، ويتم تنظيم رحلات جماعيه ، وتقديم المساعدة لهم عن طريق توفير وسائل المواصلات المتطورة والمزودة بأحدث التصاميم التي تعمل على راحتهم لنقلهم إلى تلك الأماكن ، وتزويدهم بدليل سياحي ومرافقين وتكون هذه الرحلات في مختلف أوقات ألسنه ، ومما يسهل عملية السياحة وجود الفنادق والاستراحات ووجود منتجع سياحي في المنطقة ..
(( جنة في الصحراء ))
ولدى وصولنا إلى الأزرق توجهنا إلى (( محمية الشومري للأحياء البرية )) والتي تقع على بعد 5 كيلو مترات عن الشارع الرئيسة .. وعبر الشارع الفرعي المؤدي إلى المحمية ، يلاحظ أنه طريق ضيق ، تمتد الصحراء عبر جانبيه ، وهناك العديد من النباتات البرية التي توجد في تلك المنطقة والتي تصلح للأكل مثل نبات الكما الذي يحتوي على مواد غذائية ذات قيمة ، وكذلك نبات الفطر أو ( الفقع ) إلا أن هذه النباتات تعتمد على كمية الأمطار وأوقات نزولها ..
ولدى وصولنا إلى المحمية استقبلنا الموظف المسؤول ، ورافقنا إلى مرافق المحمية ، حيث أشار إلى أن محمية الشومري هي أول محمية للأحياء البرية في الأردن .. أسستها وتديرها الجمعية العلمية الملكية لحماية الطبيعة ، وقد سميت بهذا الاسم لأنها تشمل وادي الشومري ضمن مساحتها ، وتبعد حوالي 120كيلو متر عن عمان ، وتبلغ مساحتها 22 كيلو متر مربع محاطة بالسياج المزدوج الشائك من الخارج وبالأسلاك المشبكة من الداخل ..
ولقد كانت المحمية في البداية محطة للتجارب الزراعية ، أسستها وزارة الزراعة عام1958 لدراسة إمكانيات الزراعة المروية في البادية الأردنية .. وفي عام 1967، تم تخصيصها كمحمية طبيعية بإدارة الجمعية العلمية الملكية ..
الأحياء البرية في محمية الشومري :
أولا" : الثدييات …
كانت الغزلان والنعام وأنواع متعددة من الحيوانات البرية الكبيرة وأبقار المها والحمار البري ، حتى فترة قريبة تجوب تلك المنطقة ، وكذلك الحيوانات المفترسة مثل الفهد والذئب والضبع ، أما الآن فلا تشاهد الحيوانات الكبيرة إلا نادرا" ، أما أنواع الثدييات الموجودة في المحمية فتشمل (( 11 )) نوعا" ، أهمها …
1. الثعلب الأحمر
2. الضبع المخطط
3. الجربوع بأنواعه
4. الجرذ
5. فأر المنزل
6. الأرنب البري
7. القط البري
8. الجرذ الليبي
ثانيا" الطيور :
لقد سجل حوالي (( 134 )) نوعا" من الطيور في المحمية ، فمعظمها طيور مهاجرة تمر بين شرق إفريقيا وآسيا وأوروبا ، ومن هذه الطيور يشاهد الزائر للمحمية العديد منها في المتحف الذي يضم العديد من النماذج للطيور المحنطة ونذكر منها ..
أ . العصافير :
1. أبو الظفر أو الزقزاق
2. درسة الشعير
3. كركس أزرق الرأس
4. كركس أسود الرأس
5. العصفور الظالم
6. قبرة الحقل
7. الكروان الجبلي
ب. البط :
طير الحبرجل أو الشهرمان
ج.الصقريات :
1. الصقر
2. العوسق
بالإضافة إلى طير الحباري الذي يعتبر إذا" رئيسيا" للطيور ، لذا كان يكثر صيده والغراب ..
د. الأفاعي :
1. الأفعى ذات القرون الكاذبة
2. حية الصحراء السوداء التي تعد من أكثر الأفاعي سما" .
3. الأفعى المرقطة .
4. أرقم أحمر
5. الخضاري .
ويضم المتحف نماذج للقنفذ الأذاني والنسناس الذي يعتبر من ألد أعداء الأفاعي والأرنب الصحراوي ..
ولقد أقيم في المحمية برجا" يقع بشكل دائري ذو سلم لولبي ، يبلغ إرتفاعه حوالي 16 متر ، من يصعد هذا البرج يستطيع أن يرى معظم حيوانات المحمية في مختلف مواقعها حيث تتحرك بحرية وبطبيعة دون أي حصر ، وكذلك يوجد برج آخر يستخدم لأغراض المراقبة لحماية الحيوانات من الصيد ، خصوصا" النادرة منها ..
ولقد أنشئت هذه المحمية لأغراض حماية الحيوانات البرية من الانقراض ، وهناك برنامج لإكثار الأنواع المهددة من الانقراض ، أو تلك التي انقرضت ، لأعادتها إلى الحياة البرية الطبيعية في بيئتها الأصلية ، وقد كان تركيز هذا البرنامج علي إكثار أنواع مختلفة من الحيوانات الصحراوية وأهمها :
1. بقر المها
2. الغزال الجبلي
3. غزال دوركس
4. غزال كويتريد
5. الحمار البري
6. النعام
وبالإضافة إلى وجود محمية الشومري لحماية الحيوانات البرية ، فلقد أقامت الجمعية العلمية الملكية (( محمية الأزرق المائية ))وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى واحة الأزرق المائية التي تقع المحمية فيها .. وتبلغ مساحة المحمية 12 كيلو متر مربعا" ، وتغطي البرك والمستنقعات والمروج المائية جزءا" كبيرا" من هذه الواحة وهي تقع في وسط البادية الأردنية ، وتعتبر مأوى للطيور المهاجرة ما بين أفريقيا وأوروبا خلال الربيع والخريف ، ذهابا" وأيابا" ، وقد وقعت الحكومة الأردنية عام 1977 على اتفاقية رام سار الدولية وبموجبها أصبحت محمية الأزرق المائية من المناطق المائية ذات الأهمية العالمية لحماية الطبيعة والطيور المهاجرة .
أما بالنسبة للحياة البرية في (( محمية الأزرق المائية )) فتعتبر هذه الواحة من المناطق الغنية جدا" بالأحياء البرية النباتية والحيوانية ، وهناك أنواع مختلفة من النباتات تشمل غطاء كثيف من النباتات المائية كالحلفا.. والقصيب الفارسي في المستنقعات ، ومجموعات من العرقد والأثل العطري الأردني تحيط بالبرك ، أما الحيوانات البرية المهمة الموجودة في هذه المحمية ، أبن آوى والثعلب الأحمر والذئب والضبع المخطط .
ولقد تم التعرف على أكثر من 300 نوعا" من الطيور ، في هذه المحمية ، نصفها من الطيور المهاجرة ويوجد كذلك أنواع مختلفة من الأفاعي والسحالي والضفادع والأسماك وغيرها من الحيوانات اللافقارية والحشرات ، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن كثيرا" من الحيوانات التي عاشت في هذه المنطقة انقرضت وكان آخرهـا الخنزير البري ..
قلعــة التاريــخ
ــــــــــ
ثم اتجهنا نحو الأزرق الشمالي مرة أخرى ..لزيارة القلعة (( قلعة الأزرق )) وهذه القلعة تمتاز بروعة خاصة ، إذ يتحدث فيها كل حجر فيها عن عراقة الحضارة التي قامت في تلك المنطقة ، فهذه القلعة من الأماكن السياحية الأثرية التي تدل على الحضارة الرومانية ، ولقد تميزت القلعة بدقة تصميمها ، لتخدم الأغراض التي وجدت من أجلها في أوقات الحروب والغزو للتصدي للأعداء وتوفير الحماية ، ومن الملاحظ أن اختيار المنطقة لأقامة القلعة عليها كان يعتمد بشكل أساسي على توفير آبار الماء ، ويستطيع الزائر أن يطلع على ما تركه العرب والمسلمين من آثار في تلك القلعة حيث أستخدمها المسلمون في حروبهم ففي وسط ساحة القلعة نجد مسجدا"مبني غاية في الفن والإبداع ، ويدل وجود المسجد على أصالة البناء وفق أسس علمية يتحدث بنفسه عن عراقة الأمة الإسلامية فيما مضى .. رغم مرور المئات من السنيين .. فلا زالت آثارهم خالدة .. راسخة كالجبال ، ويحيط بالمسجد مرافق خاصة لتأوي الجيوش وأخرى لتأوي الخيول ، وهناك بئر ماء يقع مقابل بوابة المسجد .. حيث تدل الآثار على وجوده .. إذ تميز بأن هناك عدد من الدرجات الصخرية التي تصل إلى الماء يتم سكب كمية الماء المطلوبة في أوعية صخرية رائعة نحتت عليها أجمل الصور التي تحاكي الطبيعة، تستخدم للأغراض الإنسانية أو لسقي الخيول ..وعند الدخول إلى أحد مرافق القلعة والمتمثلة بمأوي للخيل نلاحظ أنه يتميز بوجود ما يدل على استخدامه ، كوجود المعالق المنحوتة بالصخر بطريقة فنية بديعة ، وكذلك وجود المرابط للخيول وهي عبارة عن حلقات نحتت في صخور ثابتة ذات قطر معين لربط رسن الخيل فيها .. وتنظر إلى تلك الجدران الرائعة التي تحاكي الزمان وتقول ها آنا صامدة .. رغم جميع الظروف .. وننتقل إلى مرافق أخرى من القلعة الخالدة ، ولدى الوقوف لدى أي جزء من تلك المرافق ندرك أن أمامنا معلما" رائعا" .. فأول ما يجد الزائر .. المدخل والذي أعد بتصميم باهر رهيب .. حيث وضعت أبواب بازلتية ذات سماكة تبلغ حوالي 25 ـ 30سنتمترا" ، ومن الداخل تمتاز أسقفها بالعلو والارتفاع ، ووضع الحجارة بشكل متقاطع يتناسب مع أطوالها لدعم الأسقف وتحصينها ، ويطلق على هذه الحجارة أسم (( مرادم )) جمع مردم ، ويتخلل جدرانها بعض نوافذ صغيرة مغلقة تأخذ بشكل الصندوق غير أنها منحوتة داخل الصخر ، ومن أشكالها المربعة والمثلثة وقد كانت تستخدم لوضع المصابيح الفخارية للإضاءة ، أو لحفظ بعض الأشياء ، كذلك يتخلل تلك الجدران بعض الفتحات العمودية المدببة من الأعلى بحيث تطل على جهات القلعة المختلفة ، فمن هذه الفتحات ما يشرف على المدخل الرئيسي للقلعة من جهات مختلفة ، وفيها ما يشرف على الجهة الغربية للقلعة ، وتبرز أهمية هذه الفتحات في حالات الحروب إذ تستخدم لرمي السهام ولتحقيق المراقبة التي تعمل على حماية القلعة من جميع الجهات ، التي يتوقع أن ينفذ أليها الأعداء .ومما يلفت الانتباه في القلعة تلك المنحوتات الصخرية ، فهناك صخور متوسطة الحجم نحت عليها رسم أشجار النخيل مما يدل على أخضرار المنطقة ، كذلك توجد حجارة نحت عليها رسم لأسد يقابله رسم لظبي مما يدل على التكافؤ الطبيعي فيها ، ويوجد رسومات لمعظم الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة ..
ولقد تميزت القلعة بارتفاعها إلا أن عواملا" طبيعية كالزلازل والهزات الأرضية التي توالت على المنطقة ، عملت على هدم بعض تلك الارتفاعات ، إلا أن محاولات متعددة قامت من أجل أعادة بعض الحجارة المتهدمة ..
وخلال تجوالنا ، صادفنا جموع من السياح الأجانب ، الذين أخذتهم الفتنة والانبهار بتلك الروائع .. فأخذوا يلتقطون الصور ، بنهم وكأنها سترحل وتبرح المكان .. ولكن كنا مدركين أنهم سينقلون إلى بلادهم أجمل الصور وأصدقها تعبيرا" عن هذا الإنجاز الإنساني العظيم .. وتأخذك الطريق إلى مساحات شاسعة تتخللها أشجار النخيل .. الصامدة .. التي تعانق السحب .. وترتوي من واحات عذبة ..
ونعود أدراجنا من حيث أتينا .. ولكن يبقي الأثر في القلب وتبقي صور أجمل طبيعة في هذا الوطن الغالي راسخة في مخيلتنا ..
تتخلل أنفاسنا في كل شيء من تراب أرضه .. في كل نسمة هواء عابقة بأريج الرياحين ..
وعلى الحب نلتقي …