البتراء لوحة خالدة
في أفق التاريخ
لست أدري لماذا كانت تلح علي فكرة السياحة إلى مدينة البتراء أو المدينة الوردية كما يحب أن يطلق عليها البعض هذا اللقب ، حيث تستقبلك أول ما تهل عليها أفواج من الخيول العربية لتقوم بالنزهة عليها أو الركوب على صهوتها لتدخل على هذه المدينة دخول الفاتحين وأنت خائف أن يهرب بك الحصان لولا ذلك الشاب الذي يمسك بزمام الحصان مقابل أجرة دينارين للراكب الواحد إن كان سائحا محليا أو أجنبيا بينما رسوم الدخول للمواطن الأردني فقط هو دينار واحد كرمز للدخول إلى هذه المدينة والتي تعتبـر من أعظم مدن الدنيا شهرة وتاريخها وتعتبر إحدى عجائب الأرض ، لكونها حفرت في الصخور والجبال الوردية الملونة والتي تدهشك روعة تداخل الألوان في صخور هذه المدينة العجيبة
فارس يخاف من الحصان..
حينما وصلت إلى هذه المدينة الخلابة والمدهشة والخالدة ركبت حصانا علني أشعر ببعض الراحة بعد مشوار طويل وجميل جدا بعد مشوار طويل وجميل جدا وكنت متسلقطا من الخوف من الحصان أن يهرب بي أو أن يقفز فأقع فتتحطم أضلاعي وللخائفين أمثالي والذين يملكون دولارات هناك عربات تجرها حصان يركبها الزائر ليطوف بالمدينة بسرعة حصان واحد ويصور ما يريد وكما يحب وهذه تعتبر زيارة سريعة وغير مستحبة للذين يرغبون بالمتعة الحقيقية وزيارة هذه المدينة والتي كانت صاخبة جدا في زمن ما والآن هاهي صامتة يتكلم صمتها بلغة لا نجيد سماعها إلا بأرواحنا المتعطشة للغوص في التاريخ .
البتراء مدينة الموت والخلود..
منذ آلاف السنين والأهرام مبعث الدهشة للعالم وهاهي البتراء الخالدة والتي يحض إليها السياح من كافة أرجاء العالم تبعث خالدة بعد سكون عميق وهي قابعة في هذه الأودية في نهاية وادي عربة الذي يسقيها من مياه الأودية أو يغضب عليها فيفيض عليها حنوا وليس غضبا .
وحينما اكتشف العالم بأنها مقبرة الأمم السابقة التي انصاع لهم الصخر فنقشوا فيه بيوتا وقصورا من زينة داخلية لروعتها لأن الصخور بذاتها لوحة عظيمة رائعة وكأنما البيوت هي بطبيعتها الصخرية مزيج من الألوان الزاهية والمتداخلة كأعجب ما يكون وستكون لوحة زخرفية في غاية الدقة وقد تناثرت البيوت والقصور والقبور على القمم تتحدى الطبيعة عبر العصور ويبقى السؤال المطروح لدي كزائر هذه الحضارة النبطية من بترها عن العالم وردم كل هذا الزخم الهائل من الجمال والفن والقوة للأنباط في البتراء فعلى كل سفح قصر وعلى كل واجهة صخرية بيت أو قصر أو قبر هائل وعلى الواجهات الصخرية نقوش تنم عن قوة أمة بائدة وحضارة خالدة لا تزول بسهولة إلا بزوال الجبال ذاتها والتي حفر في تضاريسها منذ آلاف السنين نهر وادي عربة في موسم الشتاء والذي كان الأنباط أول من فكر بتدجين طوفانه العارم والهادم فصنعوا له السدود ودجنوه ليسقي زرعهم وماشيتهم ويروي ظمأهم على مر العصور. ومن يريد أن يرى عجائب التاريخ والحضارات ليرى مالا يخطر على بال فهذه البتراء قائمة بدوام التاريخ يروي صمتها قصة الذين نقشوا في جبالها بيوتا فارهة وعمروها ودفنوا فيها لتقول الحجارة بأن الخلود .. الخلود لله وحده .
الرحالة المتزحلق..
هذه القصة للرحالة المتزحلق على صخور البتراء في أول رحلة له في مدينة البتراء العجيبة فقد خطر في بالي وأنا أحمل حقيبة الأسفار وفيها مسجل صغير يصدح بالموسيقى الناعمة أن أتشعبط على صخرة كبيرة كانت تجلس عليها امرأة فرنسية وخلفها بيوت كثيرة فاستغربت كيف صعدت هذه المرأة إلى هناك وهي تشاهد هذه البيوت العجيبة فتقدمت منها وسألتها كيف صعدت لهناك وهي تركت الكتاب من يدها ويبدو أنها لم تفهم مني حرفا واحدا لولا زميلتي التي أسعفتني من سواد الوجه فأفهمتها بأنه يريد أن يعرف من أين صعدت إلى أعلى فابتسمت وقالت لقد نجحت في الصعود من هنا وأشارت للصخرة حيث كان هناك رمال ناعمة كفيلة بزحلقتي وطبش رقبتي لأول غلطة ، إلا أن الفرنسية الحمشة أصابتها النخوة الفرنساوية ومدت يدها لتمسك يدي فأصعد ولا أقع بينما كانت صديقتي تمسك بعصاعيص رجلي من تحت حتى لا أقع على الأرض خالعا أو أقع في حضنها وهذه طامة كبرى كنت أحب أن تحدث لأن صديقتي ليست عربية لهذا فهي حنونة على ولم تقلب سحنتها في بوزي ولا مرة .
المهم أنني صعدت للأعلى وعملت حالي بطل ومددت يدي لصديقتي لتصعد وشكرنا الفرنساوية بالفرنسي والعربي وتفرجنا على القصور في القمة وصورناها ولم نعرف كيف ننزل من هناك.
الرحالة تنقذه راعية صغيرة ..
وبينما أنا حايص لايص مثل العنزة السمرة رايح جاي مش عارف من وين آجي ولا وين أروح تنبهت لنا راعية صغيرة كانت تعمل شاي على النار مع صديقتها وكان الإبريق مشحبر على الآخر فخطر في ببالي أن أتحول مظلي أو انتحاري من أجل كاسة شاي طازة بعد أن أصبحت أشوف الناس كاسات شاي فاضية رغم أنني شربت بثلاث دنانير شاي داخل البتراء شو بدي أساوي ؟أنا رجل مفجوع شاي ومدمن شاي فصرخت لي الراعية الصغيرة وتعاونت هي وصديقتها مع صديقتي على انقاذي وانزالي من على الصخرة وكنت متصربعا على صديقتي من أن تقع فمددت يدي وأعطيت الراعية الصغيرة دينار واحد ثمن إنقاذها لي ولصديقتي ويعني أجار إنقاذ ولولا لطف الله كنت بقيت على الجبل ونادوا الدفاع المدني ينزلني من فوق الجبل لهذا كنت مبسوطا جدا على الراعية التي أنقذتني وأدين لها بالشكر فتّحية لها على مساعدتي من كل أعماقي .
وقد أثبت تجربتي مع البتراء كيف أنني رحالة لا يصلح لاكتشاف القارات وكيف سيكون وضعي في السودان وغابات نيجيريا حينما يقابلني أسد .. آه يا ويلي أسد.. عندها ستجدون نعيا لي بدلا من تحرير صفحة .
الصحفي الرحالة : فيصل محمد عوكل